التربية الجنسية في الاسلام
من أهم الظواهر في هذه الفترة قلة اعتماد البالغ أو المراهق على والديه في سبيل تطلعه إلى الاستقلال بنفسه إذ أنه يعتبر نفسه رجلا وليس ذلك الطفل الذي كان يأتمر بأمر والديه في كل صغيرة وكبيرة فهو قد أصبح ناضجا يحتاج إلى تطوير علاقاته مع الأصدقاء والمجتمع, والإسلام لم يهمل هذه الناحية من التربية وأول المبادئ التي يرى الإسلام قيام حياة الفرد عليها هي الاستقامة على قوانين الفطرة الطبيعية في الإنسان واتباع هذه القوانين وعدم الخروج عليها، وقوانين الفطرة تقتضي تربية الناس على حياة الطهارة والشرف والعفة والفضيلة والتقوى, وإن الخروج على هذه التربية والانحراف عنها إنما هو خروج على القوانين التي خلق الله عليها الكون والسموات والأرض والكائنات ومنها الإنسان {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه/50) فإذا تجاوز الإنسان الحدود التي وضعها الله له والقوانين التي أمره بالتزامها في الدنيا فإنه بسلوكه يظلم نفسه ويعرض نفسه لعقوبات تفرضها عليه قوانين الله الطبيعية المودعة فيه؛ لأن من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه, ولذلك حرم الإسلام الزنا وكل علاقة غير شرعية وحرم الوسائل والأبواب المؤدية إليها، ولذلك فإن التربية الإسلامية القائمة على الإيمان الكامل والعقيدة الثابتة وعلى الطهر والبراءة والخوف من الله ومراقبته في السر والعلانية والعبودية المطلقة لله فإنها تخلق العفة في النفوس وتحبب حياة الشرف والفضيلة والعفة، وهذه المراقبة الدائمة هي التي تجعل الشاب المسلم في موقف القوي أمام غواية الشيطان ونداء الشهوة والله تعالى يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف 201،200) .
ولا يكفي البقاء على حياة العفة ولذلك دعا الإسلام إلى الزواج باعتباره الوسيلة الطبيعية لمشكلة الجنس، وقد ذكرنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته للشباب أن يغض بصره ويحصن فرجه بالزواج وإلا فعليه بالصوم لأن الصوم يقلل من حدة الشهوة ويزيد طاقة الإنسان الروحية، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "الغلام يعق عنه يوم السابع ويسمى ويحاط عنه الأذى فإذا بلغ ست سنين أدب، وإذا بلغ تسع سنين عزل عن فراشه، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة ضرب على الصلاة والصوم، فإذا بلغ ست عشرة زوجه أبوه، ثم أخذ بيده وقال: قد أدبتك وعلمتك وأنكحتك، أعوذ بالله من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة".
فالآباء مسئولون عن تربية أبنائهم وتعليمهم وتزويجهم حصانة لهم أو مساعدتهم على ذلك فإذا لم يتيسر للشباب الزواج تحصّنَ بالتعالي على الغريزة والاستعفاف والتمسك بالفضائل وتصريف الطاقات في عبادة الله وفي ذلك يقول تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور/33) وليس ذلك الطلب للرجال فقط بل للنساء أيضا وقد خصهن الله بعد تلك الآية العامة بآية خاصة إذ يقول: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} (النور/60) .
والمسلم الذي يتمسك بحياة العفة والشرف أمام الإغراء ولا يلين جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله وهو شاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين, وفي القرآن مثال لذلك المسلم الشاب في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز التي راودته عن نفسه وهددته وتوعدته بالسجن والإذلال ففضل السجن على معصية الله والتخلي عن العفة واستنجد بالله طالبا منه أن يقف معه في محنته ويصرف عنه كيدها فاستجاب الله لدعائه لعلم الله بإخلاصه وصدق دعواه وطهارة نفسه {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف/24) . ولم تكتف التربية في الإسلام بذلك إنما سد الأبواب التي يمكن أن تثير الشهوة وتؤدي إلى الفساد ومنها غض البصر للرجال والنساء {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (النور 30. 31) وعلى النساء أيضا ألا ينظرن إلى الرجال فقد روت أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه؟ ".
ومنها تحريم خلو الرجل بالمرأة الأجنبية لأنه ما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، وقد روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال له رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ قال: انطلق فحج مع امرأتك" 2 ومن الاحتياطات التي اتخذها الإسلام لحفظ الرجال والنساء وحماية المجتمع مما يؤدي إلى الانحلال الأخلاقي والفوضى في العلاقات الجنسية الأمر بالاحتشام والنهي عن السفور والتبرج وإظهار المحاسن من النساء لأن هذه الأشياء هي التي تثير الشباب وتحرك غرائز الرجال وتجعل كلا من الجنسين يبحث عن الآخر لإرضاء شهوته المثارة دائما والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} (النور/31) .
ولا يشك مسلم في حرمة ما نرى من لباس تلبسه النساء تبعا لخطوط (الموده) ونزولا لرغبة بيوت الأزياء العالمية وكثير منها لا يستر شيئا وقد يحدد كل شيء في جسم المرأة ويظهر مفاتنها ثم تلبس مع ذلك (باروكة) تزيدها فتنة وإغراء ولا تتورع عن كشفه ما وجدت لذلك سبيلا وهن اللائي قصدهن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه أبو هريرة حيث يقول: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" 1 ومن تربية الإسلام في تحديد علاقات الرجال بالنساء أمر الله بالسؤال من وراء حجاب طهارة للقلوب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب/53) كما أمر المرأة ألا يكون في حديثها ما يدعو إلى الفتنة والإغراء والإثارة {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} (الأحزاب/33) كما أمر النساء بالقرار في البيوت إلا لحاجة وعدم التبرج والحشمة في اللباس واللسان والمشي {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (الأحزاب/33) .
ومن تربية الإسلام في تنظيم العلاقات وجوب استئذان الأطفال إذا بلغوا الحلم حتى ينشأ الجيل سليما معافى محترما لحرمة الحريات الشخصية للرجال والنساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النور/ 58- 59) .
ومن تربية الإسلام في العلاقات الجنسية تحريم الشذوذ في أنواعه المختلفة حتى لا يتجه الناس إلى تفريغ طاقاتهم الجنسية في أوجه أخرى يظنونها غير محرمة كما حرم المظاهر الشاذة في تشبه الرجال بالنساء واسترجال النساء فقد روى ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المتخنثين من الرجال والمترجلات من النساء كما لعن المتشبهين من الجنسين بالجنس المغاير لهما سواء أكان هذا التشبه في الأصوات أو الحركات أو فعل شيء هو من خواص جنس دون آخر كلبس بعض الرجال للباروكات وإطالة الأظافر والشعور ولبس الكعوب العالية ووضع مساحيق الزينة واستعمال أدوات التجميل ولبس السلاسل الذهبية على المعاصم والنحور وتزجيج الحواجب وأخذ الحقن التي تزيد نسبة هرمونات في الأنوثة في الرجال حتى لا يظهر الشعر في الشارب والذقن وحتى يتكور الصدر ويبرز كالنساء وكلبس الملابس الشفافة المبينة للعورة وغيرها، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل" .
أما الشذوذ المتمثل في اللواط والسحاق بين النساء فإن الإسلام قد حرم ذلك وأغلظ في العقوبة لما في هذين النوعين من إفساد خلقي كبير ودلالة على تحلل الأمة وسوء خلقها وتحكم الشهوات فيها، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا (من عمل عمل قوم لوط) كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم مدى خوفه على أمته من انتشار تلك الظاهرة فيها والتي استنكرها القرآن الكريم في حكايته لقوم لوط {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (العنكبوت/29) ويقول: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} (الشعراء/165) .
ومن مظاهر الشذوذ مزاولة كثير من الشباب للعادة السرية نتيجة لما يتعرض له الشباب من مثيرات للغرائز في مظاهر الفتنة من النساء في الشوارع والأمكنة العامة وأمام دور العلم والعبادة وما يقدم على أجهزة التلفاز من تمثيليات مثيرة وأغان مائعة ودعايات للبلاد والأزياء كلها تدعو إلى الفحش والرذيلة، زيادة على ما يعرض في المكتبات من مجلات فاضحة وقصص مثيرة وأفلام جنسية هابطة وأجهزة عرض رخيصة لهذه الأفلام، زيادة على الكتلوجات الجنسية التي تعرض الجنس ممارسا والصور التي تباع لذلك- أمام هذا الإغراء كله يتجه كثير من الشباب والرجال بعامة إلى مزاولة الزنا واللواط والاستمناء عن طريق اليد أو عن طريق آخر مع ما في هذه العادة من تحطيم لشباب الأمة وقواها الجسدية والعقلية والنفسية ومع ما فيها من آثار في مستقبل الشاب الجنسية وعلاقاته الزوجية ومع ما في ذلك من أضرار اقتصادية باهظة واجتماعية مخيفة ولعل هذا هو المقصود مع غيره في قوله تعالى {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (المعارج/31) وذلك بعد أن بين القرآن أن من صفات المؤمنين أنهم يحفظون فروجهم إلا على زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم.
إن حياة النقاء والطهر لا تكون إلا بتشجيع الآباء والدولة لشبابها بالزواج المبكر فإذا كانت الدولة تنشئ بنوكا عقارية لبناء المنازل من الطين والأسمنت عن طريق السلفيات المادية فإن بناء الأسر والبيوت أولى من ذلك لتحصن الدولة أبناءها وتعد جيوشها وتحمي حماها بشباب مؤمن طاهر نقي بدلا من الشباب المخنث المائع المنهوك القوى من الانسياق وراء الشهوات والملذات هذا بالإضافة إلى تشجيع الشباب على الصوم مرتين في الأسبوع ليسمو بروحه على غرائزه وليقوى إيمانه بعبادته وإقامة مجتمع إسلامي نظيف تحكم العلاقة بين الرجال والنساء منهم وشريعته ونظامه من حيث المناهج الدراسية والمواد الإعلامية وتزجية أوقات الفراغ بأنواع الرياضة الممارسة في أجواء صافية حتى يسود الأمن والاستقرار النفسي والجنسي بالتزام أوامر الله والخوف منه ومراقبته.
إن الإسلام لا يحتقر الطاقة الجنسية ولا يطالب بالابتعاد عنها لأن الرغبة الجنسية في الإنسان هي التي تؤدي إلى تعمير الأرض وكثرة التوالد الذي يؤدي إلى بقاء النوع واستمراره.. فلذلك اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم في العلاقة الجنسية بين الرجل وزوجته صدقة فقد قال عليه الصلاة والسلام: "وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله إن أحدنا ليأتي شهوته ثم يكون عليها أجر قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وضعها في حلال فله عليها أجر" .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم صريحا في معالجة كثير من الأمور المتعلقة بالجنس والذي كان القرآن ينزل بها فقد روى الإمام أحمد أن اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يواكلوها ولم يجامعوها فيسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي عن ذلك فأنزل الله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، وقد روى عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا وروي أن مسروقا ركب إلى عائشة فقال: "السلام على النبي وعلى أهله فقالت: عائشة مرحبا مرحبا فأذنوا له فدخل فقال: إني أريد أسألك عن شيء وأنا أستحي فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابني فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض فقالت: له كل شيء إلا فرجها" والأحاديث كثيرة في ذلك فليرجع إليها من أحب وقد روى أبو داود عن معاذ بن جبل قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل من امرأتي وهي حائض قال: "ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل".والإسلام يحدد مكان الجماع إبعادا للمسلم عن ممارسة الشذوذ مع زوجته فيقول الله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (البقرة/223) أي في الفرج وأكد ذلك بقوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} (البقرة/ 223) ومما ذكر عن سبب نزول هذه الآية ما روته أم سلمة من أن الأنصار كانوا يجبون نساءهم وكانت اليهود تقول: إن من أجب امرأته كان ولده أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فجبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك فقالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فسألته أم سلمة فقال: ادعي الأنصارية فدعتها فتلا عليها هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} والحرث هو مكان الولد وولا يكون الولد إلا في الفرج، أما قوله {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} فيقصد به تسمية الله عند الجماع فقد جاء في البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا" .
وقد رخص الله للمسلمين مجامعة النساء في ليل رمضان إذ كان المحلل في أول الإسلام الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء فمن نام أو صلى العشاء حرم عليه ذلك كله فوجد المسلمون مشقة في ذلك وكان البعض يخونون أنفسهم2 فنزل قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (البقرة/187) .
ولأن الإسلام يدعو الشباب الذي لم يتزوج إلى التسامي والعفة فإن أسلوب الإقناع الفكري والمنطقي من الأمور التي عالج الرسول صلى الله عليه وسلم بها مشكلة محاولة الانحراف والزنا فقد جاء شاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بالزنا فزجره الصحابة وأسكتوه إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدناه منه في رفق ودون غضب وسأله "أتحبه للأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، وسأله أتحبه للإبنتك" واستمر يسأله عن أخته وعمته وخالته ويخبره بأن الناس لا يرضونه لهم كما لا يرضاه هو لأهله ثم وضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده على قلب الشاب وسأل الله أن يغفر له ذنبه ويطهر قلبه ويحصن فرجه فلم يلتفت الشاب إلى شيء بعدها، فهذا نموذج من أسلوبه صلى الله عليه وسلم في علاج مشاكل الشباب خاصة ما يتعلق بالجنس فالشباب يوجه إلى بذل الجهد العقلي أو الروحي أو الجسدي في سبيل التسامي وتوجيه طاقاته إلى العمل النافع والاستغراق في عبادة الله والاهتمام بالرياضة البدنية والقرآن يبين لنا كثيرا من المواقف التي تسمو فيها النفس المتجهة إلى الله على نداء الجسد وسعار الشهوة فسيدنا يوسف عليه السلام كما ذكرنا سابقا مثال للشاب المؤمن الذي نشأ على تقوى الله ومراقبته فصمد أمام إغراء ملكة جميلة وأذل كبريائها وهي تدعوه لنفسها وقد حسبت أن ذلك أمر يعجز كل الرجال عن رفضه وإذا بيوسف ثابت شامخ ذاكر نهي الله وجميل العزيز عليه فيقول: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ولم ينسَ الالتجاء إلى الله وطلب العون منه {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (يوسف/33، 34) .
والشاب المؤمن الذي يرفض الفاحشة ويعف نفسه خوفا من الله من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
إِن الإسلام لا يكبت الرغبات الجنسية كما يظن من لا يفرقون بين الكبت والضبط-لأن الإسلام يضبط الرغبات ويوجهها لتكون أداة بناء وتعمير لا أداة هدم وتخريب للمجتمع فالطريق السوي لمشكلة الجنس هو الزواج لان من صفات المؤمنين أنهم يحافظون على فروجهم إلا على زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم لأن الجنس في الإسلام وسيلة متاع وسكن ومودة ورحمة به يحقق الإنسان غاية وجوده وهو انتشار النوع وتعمير الأرض وعبادة الله.
ولم يكن الجنس وحده الذي ضبطه الإسلام بل ضبط الدوافع الفطرية الكامنة في الإنسان كلها حتى يكون المجتمع المسلم مجتمعا وسطا متوازنا في حياته الروحية والجسدية معا.