الوجبات اليومية والتغذية المتوازنة
يقصد بالتغذية المتوازنة الحصول على جميع العناصر الغذائية الضرورية للجسم عن طريق تناول الطعام. ولا يوجد في الطبيعة طعام متكامل في العناصر الغذائية، فكل طعام يحتوي على بعض العناصر وتنقصه عناصر أخرى، لذا فإن عملية تكامل الأطعمة في الوجبة الغذائية أمر بالغ الأهمية، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق دمج مجموعة من الأطعمة مع بعضها البعض للحصول على وجبة متوزانة من الناحية الغذائية.
وتلعب التغذية المتوازنة دورا هاما في الوقاية من الأمراض، خاصة تلك المرتبطة بالتغذية. وغالبا ما يكون سوء التغذية ناتجا عن نقص عنصر أو أكثر من العناصر الغذائية الضرورية في الطعام المتناول. ومع استمرار تناول نفس الطعام، بالإضافة إلى عدم أو قلة التنويع في الأطعمة المتناولة في الوجبة، فإن النقص في العناصر الغذائية قد يستفحل ويصاب الشخص بسوء التغذية.
يتناول هذا الفصل جانبين هامين في التغذية المتوازنة، يتطرق الجانب الأول إلى أهمية الوجبات اليومية من الناحية التغذوية والصحية، أما الجانب الثاني فيتطرق إلى كيفية تخطيط الوجبات الغذائية المتوازنة.
الوجبات الغذائية اليومية:
من المعروف أن هناك ثلاث وجبات رئيسية يتم تناولها في اليوم. ولكن أهمية الوجبة تختلف من مجتمع إلى آخر، فمثلا في الدول الغربية تعتبر وجبة العشاء هي الوجبة الرئيسية وتسمى dinner. وقد يرجع ذلك بصفة خاصة إلى أن ساعات العمل في هذه المجتمعات تمتد إلى الساعة الخامسة مساء، وبالتالي فإنه من الصعب تناول وجبة كبيرة خلال فترة الغداء "الظهيرة"، لذا نجد أن هذه الوجبة تكون خفيفة نسبيا وتسمى أحيانا luncheon. أما بالنسبة للمجتمعات العربية فإن فترة العمل تنتهي حوالي الساعة الواحدة أو الثانية ظهرا، ويعني ذلك أن هناك متسعا من الوقت لتناول وجبة كبيرة تعتبر الوجبة الرئيسية في هذه المجتمعات.
وجبة الإفطار:
يعتبر الإفطار breakfast من الوجبات المهمة من الناحية الغذائية، وهو يأتي عادة بعد مدة طويلة من عدم تناول أي طعام. فتناول إفطار جيد يساعد الشخص على زيادة نشاطه وتحمله للعمل، كما يساعد أجهزة الجسم على العمل بطريقة سليمة. ويجب أن يساهم الإفطار في تزويد الجسم بربع الاحتياجات الغذائية اليومية للشخص على الأقل.
وقد وجد أن الأشخاص الذين لا يتناولون إفطارا جيدا يواجهون صعوبة في الحصول على احتياجاتهم اليومية من العناصر الغذائية خلال ذلك اليوم، وبعضهم لا يحصل على هذه الاحتياجات. وتؤثر مكونات الإفطار على مستوى سكر الدم في الجسم، فالإفطار الغني بالبروتين يساعد على بقاء مستوى سكر الدم أعلى من مستواه الطبيعي لمدة أربع ساعات تقريبا بعد تناول الوجبة، أما إذا كان الإفطار يعتمد على المواد الكربوهيدراتية، فإن مستوى سكر الدم يكون أقل بعد مدة تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات "حسب نوع الطعام"، مما يعرض الشخص للخمول الناتج عن نقص سكر الدم.
وتعتبر وجبة الإفطار ذات أهمية بالغة لتلاميذ المدارس، نظرا لأنهم لا يتناولون أطعمة مغذية خلال ساعات النهار. وقد أوضحت الدراسات أنه من الصعب على التلميذ الحصول على مقرراته الغذائية بدون تناول وجبة الإفطار. وعادة يصاب الأطفال، الذين لا يتناولون وجبة الإفطار، بسرعة الإحساس بالتعب وقلة الرغبة في العمل المدرسي، ويكون التفاعل الذهني ضعيفا ويزداد الإجهاد العقلي.
وتشير الدراسات في الدول العربية إلى أن نسبة كبيرة من أطفال المدارس والمراهقين لا يتناولون وجبة الإفطار في المنزل. وقد يرجع ذلك لعدة أسباب منها أن العديد من الأطفال قد ينامون متأخرين ويصحون متأخرين، مما لا يمكنهم من تناول الإفطار في المنزل. كما تجد الأمهات صعوبة في تحضير الإفطار نظرًا لأن أولادهن يذهبون إلى المدرسة في وقت مبكر، ولا يوجد وقت كاف لتحضير الطعام. ومن الأمور الهامة أن بعض الأسر لم يتعود على تناول الإفطار وهذا ينعكس على الأبناء فنجدهم لا يميلون إلى تناول الإفطار كذلك.
والإفطار الشائع في معظم الدول العربية هو الشاي مع الخبز والجبن أو البيض، وأحيانا يضاف إليه المربى أو العسل. وتعتمد القيمة الغذائية لهذا الإفطار على الكميات المتناولة من هذه الأغذية. وبصفة عامة فهذا الإفطار غني بالبروتين والمواد الكربوهيدراتية والدهون والعديد من الأملاح المعدنية والفيتامينات. ولكن لا تتناول جميع الأسر مثل هذا الإفطار، فالأسر الفقيرة في بعض الدول العربية تتناول الشاي مع الخبز في إفطارها، وهو إفطار فقير في القيمة الغذائية واستمرار تناوله قد يسبب مشاكل غذائية لصعوبة الحصول على المقررات الغذائية في الوجبات الأخرى.
ومن وجبات الإفطار الشائعة في بعض المجتمعات العربية الفول واللبنة والحمص مع الخبز والشاي وأحيانا الجبنة البيضاء. وهذا إفطار جيد وعالي القيمة الغذائية خاصة إذا تم تناول أكثر من نوع من الطعام في نفس الوجبة، مثل تناول الفول ولبن الزبادي والخبز، أو تناول الحمص والفول والخبز.
وجبة الغداء:
تعتبر وجبة الغداء Iunch أهم وأكبر وجبة في المجتمعات العربية، لذا فهي تنال الاهتمام الأكبر من ربة الأسرة. وتساهم وجبة الغداء في تزويد الجسم بما لا يقل عن نصف المقررات اليومية للفرد، وتناول غداء فقير في قيمته الغذائية يؤدي إلى صعوبة حصول الفرد على احتياجاته الغذائية في ذلك اليوم.
ويختلف دور وجبة الغداء سواء من الناحية الغذائية أو الاجتماعية أو النفسية. فعند تناول الإفطار نجد أن أغلب أفراد الأسرة لا يتناولونه معا لاختلاف أوقات أعمالهم أو لعدم وجود الوقت الكافي لتناوله. فالأبناء يستيقظون باكرا للذهاب إلى المدرسة وقد يسبقهم أو يتبعهم الأب والأم، وأحيانا تبقى الأم مع بقية أفراد الأسرة وتتناول إفطارها بصورة متأخرة. ولكن عند وجبة الغداء يجتمع شمل الأسرة عادة، وهذا الاجتماع يساعد على الترابط الاجتماعي والارتياح النفسي، مما يسهل من عملية الهضم وتفضيل تناول الغداء.
ويعتبر الرز أهم طعام في وجبة الغداء في العديد من الدول العربية، خاصة في دول الخليج العربية، حيث نجد أن الرز مع اللحم أو السمك أو الدجاج هو الغداء المفضل للأسر. والرز المستخدم هو الرز المصقول المزالة قشرته التي تحتوي على مقادير كبيرة من فيتامينات B وبعض الأملاح المعدنية الهامة. كما أن هناك عادة تكرار غسل الرز التي تساعد على ذوبان مقادير كبيرة من بعض فيتامينات B في الماء. ولكن تناول اللحم أو السمك أو الدجاج يساهم في تعويض هذه الفيتامينات. وقد وجد أن تناول الرز مع اللحم أو السمك أو الدجاج وبمقادير مناسبة، بالإضافة إلى تناول السلطة معهما، يوفر مقادير مناسبة من العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم.
ويحتل الخبز مكانة هامة في وجبة الغداء عند عدد كبير من سكان الدول العربية، حيث يتم تناوله مع اللحم أو الدجاج أو يستخدم أحيانا في تحضير الطبق المتناول، مثل الفتة التي يتم تناولها في دول المشرق العربي. وأحيانا يتم تناول الخبز مع الحمص أو الفول أو اللبنة أو الجبنة في وجبة الغذاء. ومع التنوع في تناول الخضراوات الطازجة، فإن الأطعمة المتناولة في وجبة الغداء توفر نسبة جيدة من العناصر الغذائية إذا تم تناولها بكميات كافية.
وجبة العشاء:
لا ينال العشاء supper أهمية كوجبة رئيسية إذا قورن بالغداء. ففي المجتمعات العربية نجد أن معظم الأسر تتناول غداءها في المنزل، أما العشاء فنجد تزايد ظاهرة تناوله خارج المنزل أو شرائه من المطاعم، وهذا ينطبق بصفة خاصة على المدن الرئيسية، أما في الأرياف فما زال العشاء يتم تناوله في المنزل.
ومن الملفت للنظر أن وجبة العشاء أكثر تنوعا من وجبتي الإفطار والغداء في بعض المجتمعات العربية، وهذا راجع إلى تعدد المصادر التي يتم شراء العشاء منها. وهو يعتبر فرصة للتغيير والتعرف على الأغذية غير المعتاد تناولها في المنزل.
وبصفة عامة فإن وجبة العشاء في العديد من الدول العربية ليست بالسيئة، بل أحيانا تكون أفضل من وجبة الغداء خاصة عند الأسر ميسورة الدخل.
وتعتبر الوجبات السريعة fast foods من المكونات الأساسية في وجبة العشاء، خاصة عند المراهقين وأطفال المدارس في المدن الرئيسية. وقد ساد الاعتقاد أن هذه الأغذية غير مغذية أو أنها ضارة صحيا، وهذا الاعتقاد لا ينطبق على نسبة كبيرة من الأغذية "الوجبات" السريعة. كما أن مفهوم الأغذية السريعة لا يقتصر على الهمبرغر والدجاج المقلي والبيتزا والمقانق والبطاطس المقلية، بل يشمل الشاورما وسندويشات الفول والحمص واللبنة والسمبوسة والفطائر المحشية وغيرها.
وتحتوي الوجبات السريعة على نسبة عالية من البروتين وبعض الفيتامينات والأملاح المعدنية، ولكنها تحتوي أيضا على نسبة عالية من الدهون "خاصة الدهون المشبعة" والصوديوم، ويعتقد أن هذه العناصر الغذائية "الدهون والصوديوم" لها ارتباط بأمراض القلب، لذا يفضل الاعتدال في تناول الوجبات السريعة.
القسم : علوم أخرى
الكتاب: الغذاء والتغذية
المؤلف: عبد الرحمن عبيد عوض مصيقر
الناشر: أكاديميا
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي