النمو الإنساني في القرآن الكريم

 النمو الإنساني في القرآن الكريم

 النمو الإنساني في القرآن الكريم

يتناول القرآن الكريم في مواضع كثيرة خلق الإنسان ونموّه، ويمكن أن تنقسم آيات خلق الإنسان إلى قسمين: ما يتصل منها بخلق آدم -عليه السلام، وهو من باب الغيب الذي على المسلم أن يؤمن به، ثم ما يتصل منها بخلق الإنسان من سلالة آدم، والذي حدّدَ القرآن الكريم معالمه، وهو ما نتناوله هنا لاتصاله المباشر بموضوع علم نفس النمو.

1- آيات الله في تكوين الإنسان:

يحدد القرآن الكريم الطريق العادي لوجود الإنسان كنتاجٍ لاتصال الذكر بالأنثى وفي ذلك يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] .
وفي هذا إشارة صريحة إلى أن خلق الإنسان من جزء من الذكر "وهو الحيوان المنوي" وجزء آخر من الأنثى "وهو البويضة الأنثوية", ويفسر لنا ذلك قول مريم حين بُشِّرَتْ بعيسى -عليه السلام: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي} [آل عمران: 47] .
ويحدد القرآن الكريم المادة التي يُخْلَقُ منها الإنسان نتيجةً لهذا الاتصال الجنسي في قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِين} [السجدة: 7-8] .
فإذا كان خلق آدم عليه السلام -أبو البشرية- من طين، فإن خلق نسله -وهم البشر جميعًا- من ماء مهين. والماء المهين -بإجماع المفسرين- هو المني الذكري.
والمقصود بالسلالة هنا "الخلاصة"، ومعنى ذلك أن خلق نسل آدم من خلاصة المني الذكري الذي يفرزه الرجل عند الاتصال الجنسي بالمرأة, وهذه الخلاصة هي التي يشير إليها علماء الأجنة والوراثة في الوقت الحاضر بالحيوان المنوي, وفي هذا القول القرآني إعجاز علمي رائع, فلم يتوصل هؤلاء العلماء إلّا في القرن العشرين إلى الحقيقة العلمية القائلة بأن الحيوانات المنوية تؤلف فقط ما بين 0.05%، 1% من مجموع المني الذكري "الماء المهين"، وأن من بين هذه الحيوانات المنوية التي يبلغ عددها في المرة الواحدة بضع مئات الملايين لا ينجح إلّا حيوان منوي واحد -بتقدير الله تعالى- في تقليح البويضة الأنثوية، وهو بذا يصبح "خلاصة"الماء المهين على حد معنى التعبير القرآني المعجز "محمد علي البار، 1986".
ويحدد القرآن الكريم خصائص المني الذكري بأنه سائل سهل التدفق، ويصفه بأنه {مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37] .
{فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 5-6] .
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] .
كما يحدد أيضًا الموضع الذي يخرج منه، فيقول تعالى:
{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 6-7] .
ويذكر العلماء المحدثون "عبد الخالق همت شبانه، 1985" أن المفسرين القدامى ذهبوا إلى أن الصلب هو العمود الفقري للرجل، والترائب هي عظام صدر المرأة، وأن ماء الرجل الدافق يلتقي بماء المرأة الدافق الذين يشتركان في تكوين  الجنين، وهو كلام غير صحيح من منظور العلم الحديث, إلّا أن العلم الحديث ينسب كلًّا من الصلب والترائب إلى الرجل, وهو تفسير يتفق أيضًا مع السياق القرآني، كما يتفق مع العلم الحديث الذي يؤكد أن الحيوان المنوي للذكر يلعب الدور الحاسم في تكوين الجنين كما سنبين فيما بعد.
إلّا أن المني وحده لا يكفي لتكوين الإنسان جنينًا في رحم الأم, وقد أشار القرآن الكريم إلى النطفة باعتبارها المادة التي يتم منها هذا التكوين, وقد وردت كلمة "نطفة" في القرآن الكريم في اثني عشر موضعًا, ومن ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس: 77] .
ويرى عدنان الشريف "1987-1988" أن معنى "النطفة" هنا يجب ألّا يقتصر على المني الذكري "أي ماء الرجل" -وهو المتعارف عليه في بعض التفاسر- وإنما يجب أن يمتد ليشمل ماء المرأة.
وهذا ما يراه أيضًا محمد علي البار "1985"؛ حيث يذكر أن النطفة قد تكون مذكرة أو مؤنثة، والنطفة المذكرة هي جميط الذكر، والنطفة المؤنثة هي جميط الأنثى, ويدعم هذا الرأي أن الخطاب في هذه الآية الكريمة للرجل والمرأة وليس للرجل فقط, كما يدعمه أيضًا الحديث النبوي الشريف الذي يشير إلى نطفة الرجل ونطفة المرأة كما سنبين فيما بعد.
هذه النطفة المذكرة "الحيوان المنوي", وتلك النطفة المؤنثة "البويضة الأنثوية", يندمدجان معًا ليتكون من بعض كلٍّ منهما نطقة جديدة مخصبة من كلٍّ منهما, هي التي يسميها علم الأجنة "اللاقحة" أو "الزيجوت", وهي تمثل الطور الأول من تكوين الجنين كما سنوضح في الباب الثاني فيم بعد, ويعبر القرآن الكريم عن هذه العملية تعبيرًا معجزًا بقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:] .
والأمشاج هي الأخلاط الناتجةعن امتزاج ماء الرجل بماء المرأة, وفي هذا تفسير لقةوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] .
الذي سبق الإشارة إليه, ويذكر محمد علي البار "1986" أن الإعجاز العلمي الباهر لهذه الآية الكريمة يتمثل في أن الباحثين لم يعلموا شيئًا عن النطفة الأمشاج المكونة من نطفة الرجل ونطفة المرأة إلّا عام 1875 على يد هيرتفج Hertwig, وفي عام 1883 استطاع فان بندن Van Benden أن يثبت الإسهام المتساوي لكلٍّ من الحيوان المنوي والبويضة الأنثوية في تكوين النطفة الأمشاج "اللاقحة أو الزيجوت كما تسمى في علم الأجنة".
ويتضح الإعجاز العلمي للقرآن في هذ الموضوع إذا علمنا أن أرسطو الذي ظلت آراؤه مسيطرة على الفكر الإنساني لأكثر من ألفي عام, كان يعتقد أن الجنين يتكون من دم حيض المرأة النشط, ولم يقابل هذا الاعتقاد بأي معارضة علمية إلّا من علماء القرآن والحديث المسلمين في العصر الإسلامي على أساس الآيات القرآنية. كما فند القرآن الكريم أيضًا الاعتقاد اليهودي القائل بأن إتيان المرأة في فرجها من جهة ظهرها ينتج عنه طفل أحول, أضف إلى ذلك رفض الاعتقاد الذي ظلَّ سائدًا -حتى قرب نهاية القرن التاسع عشر- وخلاصته أن الجنين كامل التكوين يكون موجودًا بصورة مصغرة في المشيج الذين ينشط عن طريق الحيوان المنوي, وكان هذا كله ضد ما أثبته العلم الحديث الذي وافقت حقائقه آيات القرآن الكريم المعجزة، ابتداء من عام 1858 على يد ردي، ثم عام 1864 على يد باستير، ثم ما أثبته علم الوراثة بعد ذلك حول وجود الجينات "محمد طاهر وآخرون، 1985".
ويحدد القرآن الكريم موضع النطفة الأمشاج أو اللاقحة في رحم الأم، وهذا ما أجمع المفسرون على معنى قوله -سبحانه وتعالى "القرار المكين" {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] .
{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المرسلات: 20-21] .
ويرى عدنان الشريف "1987-1988" أن للقرار المكين ثلاث معانٍ قرآنية تبعًا للمعاني الثلاث للنطفة.

أ- رحم المرأة: بشرط أن يفهم معنى الماء المهين أو النطفة في الآيات القرآنية السابقة بمعنى البويضة المخصبة، والتي تمثل الطور الأول في تكوين الجنين؛ ففي الرحم لا يستقر إلّا هذه البويضة الملقحة, وكل من الحيوانات المنوية والبويضة سرعان ما تموت إذا لم تتلاقح في أنبوب الرحم.
ب- مبيضا المرأة: بشرط أن يفهم الماء المهين أو النطفة بمعنى ماء المرأة في الآيات الكريمة "فمن الوجهة العلمية يستقر ماء المرأة, أي: نطفها, في المبيضين عندها منذ الشهر الرابع من حياتها, حتى تخرج النطف دوريًّا من المبيضين مرةً كل شهر بعد بلوغها سن النضج الجنسي الذي يمتد عادة بين سن التاسعة وسن السادسة عشرة كحد أدنى وحد أقصى "عدنان الشريف، 1987".
ج- الحويصلة المنوية عند الرجل: بشرط أن يفهم معنى الماء المهين أو النطفة بمعنى ماء الرجل, فمن الوجهة العلمية يستقر ماء الرجل الذي تفرزه خصيتاه بصورة دائمة منذ بلوغه سن النضج الجنسي في الحويصلة المنوية2 ويخرج منها وقت الاستمناء.
ويؤكد علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء أن الرحم والمبيضين والحويصلة المنوية هي كلها قرار مكين "أو مكان آمنٍ" لاستقرار النطفة التي تبقى في هذه الأعضاء لوقت معلوم في كل حالة3, والرحم والمبيضان والحويصلة المنوية هي أماكن آمنة لنطف من خلال موضعها في الجسم. فالرحم والمبيضان عند المرأة والحويصلة المنوية عند الرجل تقع في الحوض, وهو عبارة عن جسم عظمى يحيط بها من جميع الجهات، كما أنها معلقة بأحزمة وأربطة متينة ومرنة في نفس الوقت, وهي تتصل بمختلف العضلات والأعضاء الموجودة في الحوض. ويزداد فهمنا للمعنى المعجز للوصف القرآني "القرار المكين" إذا علمنا التفاصيل الدقيقة التشريحية والفسيولوجية للرحم والمبيضين والحويصلة المنوية, وهو ما لا يتسع له نطاق هذا الكتاب، ويمكن للقارئ المهتم الرجوع إلى الكتب الطبية المتخصصة.

2- آيات الله في نمو الإنسان قبل الولادة:

تشير الآيات القرآنية الكريمة بشكل صريح إلى أن نمو الإنسان بعد تكوينه من المادة الأساسية التي يخلق منها، إنما يمر بمراحل يتطور بعضها من بعض ويتلو بعضها بعضًا، وفي ذلك يقول الله تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 13-14] .
ويقول تعالى أيضًا:
{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6] .
ويفصِّلُ القرآن الكريم المراحل التي يمر بها نمو الإنسان في مرحلة الجنين, يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الحج: 6] .
ونعرض في هذه المراحل كما وردت في القرآن الكريم، أما خصائصها العلمية كما كشف عنها العلم الحديث فسوف نتناولها بالتفصيل في الباب الثاني من هذا الكتاب.
أ- مرحلة النطفة:
ورد ذكر النطفة في القرآن الكريم في اثنى عشر موضعًا على ثلاث معانٍ -كما ذكرنا- وهي: النطفة المذكرة والنطفة المؤنثة والنطفة الأمشاج, وهي النطفة المختلطة من الحيوان المنوي والبويضة عندما يتم الإخصاب, والمعنى الثالث هو الذي يمثل المرحلة الأولى من تكوين الجنين ونموه وتطوره.
وتشير الآيات القرآنية الكريمة إلى الدور الحاسم للوراثة مع التكوين الأولي للنطفة, ويعبر القرآن الكريم عن الوراثة بتعبيره البليغ "التقدير", يقول الله تعالى: {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 17-19] .
وهذه الحقيقة لم يكتشفها إلّا علم الأجنة والوراثة الحديثين, فلم يتأكد دور الجينات -وهي أجزاء صغيرة من الخلية الحية- إلّا عام 1912, حين أثبت مورجان أن هذه الجينتات تنتقل عبر الحيوان المنوي الذكر والبويضة الأنثوية.
ومن حقائق الوراثة أيضًا التي أشار إليها القرآن الكريم, أن الذكورة والأنوثة في الجنين إنما تكون تابعة لماء الرجل, قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم: 45-46] .
والنطفة التي تمنى هي نطفة الرجل لا ريب؛ إذ ليس للمرأة مني ولا هو من خصائصها وتوجد إشارة قرآنية أخرى إلى ذلك, يقول الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة: 36-39] .
والضمير في كلمة "من" يرجع إلى المني, وهو للرجل وليس للمرأة, وهذا حقيقة علمية مؤكدة في علم الوراثة الحديثة, سنوضحها بالتفصيل فيما بعد "في الباب الثاني".
ب- مرحلة العلقة:
ورد ذكر العلقة في القرآن الكريم في خمسة مواضع, ويحدد علماء الأجنة المحدثون هذه المرحلة بالفترة التي تعلق فيها الكرة الجرثومية بجدار الرحم وتنتهي بظهور الكتل البدنية, والتعبير القرآني عن هذه الرحلة بكلمة "علقة" هو أفضل وأدق وصف لها, وهذا ما سنفصله فيما بعد عند تناولنا لهذه المرحلة في نمو الجنين.
ج- مرحلة المضغة:
ورد ذكر المضغة في القرآن الكريم في موضعين؛ أحدهما في سورة "الحج", والآخر في سورة "المؤمنون" والمضغة في علم الأجنة الحديث هي مرحلة يشبه فيها الجنين في مظهره لقمة ممضوغة, وتظهر فيها بالفعل ما يشبه آثر أسنان مغروزة, ومرة أخرى فإن التعبير القرآني عن هذه المرحلة بكلمة "مضغة" لا يطابق فقط الوصف العلمي لها في علم الأجنة بل يتفوق عليه, وسوف نفصل ذلك عند عرضنا لهذه المرحلة في الباب الثاني من هذا الكتاب.
ويذكر القرآن الكريم أن هذه المضغة قد تكون مخلقة أو غير مخلقة.
ويفسر بعض العلماء المعاصرين ذلك "عدنان الشريف، 1987-1988" بثلاثة معانٍ هي:
1- خلال مرحلة المضغة يكتمل تكوين الأغشية والحبل السري وجزء من المشيمة, وهي أجزاء من المضغة تحيط بالجنين وتحميه وتغذيه, إلّا أنها تسقط وتموت بعد الولادة، وهي بهذا المعنى تؤلف المضغة غير المخلقة، أما الجزيء الرئيس من المضغة الذي يكون الجنين نفسه, فهو المضغفة المخلقة. 

2- خلال مرحلة المضغة تبدأ مختلف أعضاء الجنين في التكوين إلّا أنها لا تكتمل إلّا في المراحل التالية, ومعنى ذلك أن الجنين في هذه المرحلة هو مضغة مخلقة وغير مخلقة في وقت واحد.
3- خلال مرحلة المضغلة تصنف الخلايا إلى قسمين؛ أحدهما خلايا متخصصة تشكل مختلف أعضاء الجنين، وثانيهما خلايا غير متخصصة, أو خلايا الاحتياط التي تتحول إلى خلايا متخصصة تحل محل خلايا القسم الأول عندما تموت, والنوع الأول يؤلف القسم المخلق من المضغة، أما النوع الثاني فهو القسم غير المخلق, إلّا أن المعنى الذي يشير إليه معظم المفسرين للمضغة المخلقة أنها المضغة التي يكتمل تكوينها, وتبدأ فيها أجهزة الجسم في التكوين, أم المضغة غير المخلقة فهي التي لا يكتمل لها التكوين، ويقصد بها السقط كما جاء في تفسير القرطبي, وهو المعنى الذي نفضله هنا بدليل قوله تعالى بعد ذلك مباشرة.
{وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الحج: 5] .
د- مرحلة تكوين العظام والعضلات:
يصف القرآن الكريم عمليات التكوين النهائي للإنسان في قوله تعالى: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] .
وفي هذه المرحلة تبدأ الخلايا العظمية في التكوين, وتحل محل الخلايا الغضروفية التي كانت موجودة من قبل, كما يتم تكوين العضلات "اللحم" التي تحيط بعظام الجسم, وتساعد على حركتها.
هـ- مرحلة تكوين الطفل السوي "التسوية":
يقول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] .
وقد أجمع المفسرون على أن المقصود من الخلق نفخ الروح في الجنين؛ بحيث يتحرك ويصير له "سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب" "محمد علي البار: 1896".
فقبل هذه المرحلة يكون الجنين أقرب إلى النبات, ليس له حس أو حركة إرادية، وكل ما فيه فقط حركة النمو والاغتذاء, أما في هذه المرحلة فإن قوى الحس والإدراك والإرادة تتكون فيه، وتتضح هذه الصلة الوثيقة بين نفخ الروح وتكوين الحس والإدراك في قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9] .
وتحديد بدء هذه المرحلة له أهمية خاصة، فمتى نفخت الروح حرم الإجهاض حرمة تامة كما أجمع الفقهاء, وتمتد هذه المرحلة حتى الولادة.
ويمكن أن تسمى مرحلة التسوية، أي: إعطاء الشكل الإنساني للجنين، بعد أن كانت الأطوار السابقة من طور النفطة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام إلى الرحم في أطوار "خلق" و"تجميع" و"تعديل في أعضاء الجنين" "عدنان الشريف، 1987-1988".
وهذه المرحلة هي التي يتميز بها المخلوق البشري عن غيره من المخلوقات؛ فقبلها لا يستطيع علم الأجنة أن يميز بين الجنين وغيره من أجنة الفقاريت الأخرى، كما وجد علم الأجنة المقارن؛ أما عندها فيأخذ الجنين عند الإنسان شكله الإنساني الذي يتميز به عن غيره من الأجنة, ولعل هذا التشابه في الشكل الخارجي بين جنين الإنسان وجنين غيره من الثدييات في مراحل ما قبل التسوية, هو الذي أوقع تشارلز دارووين في خطأه العلمي الفادح في افتراض أن الإنسان "تطور" عن الفقاريات الأخرى, وهو الفرض الذي دحضته العلوم البيولوجية والإنسانية الحديثة, ولعل أكثر هذه الأدلة أهمية ما يطرأ على الجنين الإنسان من تحول كيفي جوهري في مرحلة التسوية، وفي هذا كله إعجاز علمي جديد لكتاب الله الخالد, وصدق الله العظيم في قوله:
{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] .
والتي تعني أيضًا -والله أعلم: أنه خلق مختلف عن جميع المخلوقات الأخرى.
3- آيات الله في نمو الإنسان بعد الولادة:
يذكر القرآن الكريم المراحل التي يمر بها نمو الإنسان بعد الولادة, والملاحظة التي تدهش الباحث العلمي بإعجازها البديع, أن القرآن الكريم لا يفصل بين مرحلتي ما قبل الولادة وما بعدها، وإنما يربط بين المرحلتين برباط وثيق، يوضحه قوله -سبحانه وتعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] .
ثم يحدد القرآن الكريم الحد الأقصى لفترة الرضاعة حتى الفصال "الفطام" بعامين، يقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] .
ومعنى ذلك أننا لو طرحنا فترة الرضعة هذه ومقدارها 24 شهرًا من الفترة الكلية للحمل والرضاعة "30 شهرًا", يمكن أن نستنتج أن الطفل يحتاج للبقاء داخل رحم الأم أثناء فترة الحمل إلى فترة زمنية لا تقل عن ستة أشهر حتى يولد ويبقى حيًّا بعد ولادته، وبالطبع, فإن فترة الحمل قد تمتد إلى مدة تمام الحمل "280 يومًا في المتوسط, أو حوالي 40 أسبوعًا"، وهذه المدة من تقدير الله -سبحانه وتعالى, يقول القرآن الكريم في ذلك: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الحج: 5] .
ثم يحدد القرآن الكريم المراحل الثلاث الكبرى للنمو بعد الولادة في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54] .
وهذه هي المراحل الكبرى الثلاث لنمو الإنسان.
أ- المرحلة الأولى: الضعف الأول للإنسان:
وهي مرحلة طفولة وصبا طويلة, يصفها القرآن الكريم بأنها مرحلة ضعف، وهو ضعف يشمل أيضًا مرحلة ما قبل الولادة, كما هو واضح من التداخل بين مرحلتي ما قبل الولادة وما بعدها, والذي أوضحناه فيما سبق، ويصفها القرآن الكريم وصفًا مطلقًا بأنها مرحلة "طفولة" في قوله تعالى:
{ ... ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ... } [الحج: 5] { ... ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طفْلًا ... } [غافر: 67] .
وهذا ما تنبهت إليه التشريعات الحديثة للطفولة؛ حيث وسَّعَتْ نطاق المفهوم ليمتد إلى نهاية المراهقة.
ويميز القرآن الكريم في هذه الرحلة الكبرى بين أربعة أطوار فرعية هي:
1- الرضاعة: ومدتها القصوى عامان, كما أوضحت الآيات الكريمة التي عرضناها فيما سبق.
2- الطفل غير المستأذن "غير المميز للعورة": وتمتد من الفصال "الفطام" وحتى سن الاستئذان "التمييز المبكر للعورة", يقول الله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] .
يقول القرطبي في تفسير ذلك: "أي الأطفال الذين لم يكشفوا عن عورات النساء للجماع لصغرهم".
3- الاستئذان المقيد "التميز": وهي المرحلة التي يعقل فيها الطفل معاني الكشفة والعورة ونحوها, يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ} [النور: 58] .
4- الاستئذان المطلق "بلوغ الحلم": وهي مرحلة هامة تتحدد فيها مستويات قريبة من مستويات الكبار؛ حيث الاستئذان على وجه الإطلاق وليس لفترات محددة كما هو واضح من الآية السابقة، والتي يتبعها قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] .
ثم يطلق القرآن الكريم "الاستئذان" باعتباره محكًّا للسلوك الإنساني الناضج، فيقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 62] .
ب- المرحلة الثانية: قوة الإنسان:
وهي مرحلة التحول إلى الرشد، ويصفها القرآن الكريم بالقوة, وقسَّمَها إلى ثلاثة أطوار فرعية هي: 
1- بلوغ السعي: يقول الله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] .
ويذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسير ذلك، فلما بلغ معه المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمر دنياه معينًا له على أعماله.
قال مجاهد: أي شبَّ وأدرك سعيه سعي إبراهيم, ويضيف الحسن ومقاتل أن السعي هذا هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة.
2- بلوغ الرشد:
يقول الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] .
وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن الرشد يعني: الاهتداء إلى ضبط الأموال "باعتباره المؤشر الأساسي للنضج الاجتماعي" وحسن التصرف فيها, والصلاح وسداد الرأي، وففيه جمع بين القوتين، قوة البدن وهو بلوغ النكاح، وقوة المعرفة وهو إيناس الرشد، فلو مُكِّنَ اليتيم من ماله قبل حصول المعرفة وبعد حصول قوة البدن لأذهبه في شهواه وبقي صعلوكًَا, ومن الإشارات القرآنية اللطيفة هنا طلب "إيناس" الرشد والتعرف على علاماته ومؤشراته، وهذا يعني أن الرشد ليست له حدود زمنية محددة يصل إليها الجميع في زمن واحد.
3- بلوغ الأشد1 "اكتمال الرشد":
يقول الله تعالى: { ... ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ... } [الحج: 5] { ... ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ... } [غافر: 67] .
ويذكر القرطبي في هذا الصدد أن بلوغ الأشد هو بلوغ القوة، وقد تكون في البدن، وقد تكون في المعرفة بالتجربة، ولابد من حصول الوجهين, فإن الأشد وقعت هنا مطلقة وتعني -والله أعلم- البلوغ على إطلاقه, وهو هنا البلوغ الجنسي والجسمي والعقلي وهو معنى الرشد.
وقد أشار القرآن الكريم إلى الأشد بمعنى الرشد في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] .
إلّا أن القرآن الكريم يحدد تحديدًا صريحًا في موضعٍ واحدٍ معنى الأشد بمعنى اكتمال الرشد؛ حيث يصبح في هذه الحالة طور المسئوليات الكبرى، بقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [الأحقاف: 15] .
ولعل هذا هو ما يشير إليه القرآن الكريم -والله أعلم- بمرحلة الكهولة, يقول الله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 46] .
{إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [المائدة: 110] .
ويذكر القرطبي أن الكهولة فيها مجتمع الأشد، وهي سن التكليف بالمسئوليات الكبرى، فقد كُلِّفَ الرسل بحمل الرسالة في هذا السن.
ج- المرحلة الثالثة: الضعف والشيبة:
على الرغم من أن هذه المرحلة هي مرحلة ضعف، إلّا أنه ضعف مختلف عن الضعف الأول السابق على الرشد، فالقرآن الكريم يضيف إلى هذه المرحلة وصف "الشيبة", والتي تحمل معنى الخبرة والحكمة إلى جانب التقدم في السن.
ويقسِّم القرآن الكريم هذه المرحلة الكبرى إلى طورين هما:
1- مرحلة الشيخوخة: يقول الله تعالى: {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر: 67] .
2- مرحلة أرذل العمر "الهرم" يقول الله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] .
ويذكر القرآن الكريم شواهد كثيرة على خصائص مرحلة "الضعف والشيبة".
ومن ذلك قوله تعالى في تحديد المعالم الجسمية الرئيسية للمرحلة, وهي وهن العظام وشيبة الرأس: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] .
وكذلك خاصية انقطاع خصوبة المرأة والرجل، يقول تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود: 72] .
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] .
وانتكاس الخصائص النفسية والجسمية المختلفة إلى مراحل سابقة، وخاصة عند أولئك الذين يبلغون من العمر أرذله، يقول الله تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس: 68] .
وفقدان القدرة على العلم "أو نقص القدرة على التعلم" وخاصة عند المعمرين الذين يبلغون مرحلة الهرم أو أرذل العمر, يقول تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] . [النحل: 70] .
وقد نَبَّه القرآن الكريم إلى أن هذه المرحلة فيها اعتماد جديد، كما كان الحال في مرحلة الطفولة والصبا، إلّا أن الاعتماد في مرحلة الضعف الأولى كان على الوالدين، أما الاعتماد في مرحلة الضعف الثاني فلا مناص من أن يكون على الأبناء، ومعنى ذلك أن هذه المرحلة هي أقرب إلى رد دين الأبناء إلى الوالدين، وكما تحددت حقوق الأبناء على والديهم في المرحلة الأولى، يحدد القرآن الكريم حقوق الوالدين على أبنائهم في المرحلة الثانية, يقول تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] .
وقد قرن القرآن الكريم الإحسان إلى الوالدين بعبادة الله -سبحانه وتعالى, فقد ورد القول القرآني:"لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا" في المواضع الآتية [البقرة: 83، 233] ، [النساء: 36] ، [الأنعام: 151] ، [الإسراء: 23] ، [مريم: 214] ، [العنكبوت: 8] ، [لقمان: 14] ، [الأحقاف: 15، 17] ، [إبراهيم: 41] ، [نوح: 28] .

القسم : علوم أخرى
الكتاب: نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين
المؤلف: آمال صادق - فؤاد أبو حطب
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
الطبعة: الرابعة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي


جميع الحقوق محفوظة Myhassoub ©2010-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy| إتصل بنا