بسم الله الرحمن الرحيم هذه محاضرة لدروس للشيخ أبو إسحاق الحويني حول ضعف المسلمين وطغيان أهل الباطل واليكم المحاضرة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71] .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن إحدى القواعد التي يعلمها المتصفح للتاريخ أن قوة المسلمين وضعفهم تقاس بقوة النفاق أو الكفر، فحيثما رأيت الكفر يعلو؛ فاعلم أن المسلمين ضعاف، وحيثما رأيت النفاق هو الغالب فاعلم أن دولة المسلمين هي الأقوى.
لقد كانت الدور في مكة تعج بالكافرين مع قلة المؤمنين آنذاك، فلما صار للمسلمين دولة في المدينة ظهر النفاق لأول مرة، ولم يكن قبل ذلك إلا الكفر المحض، رجل لا يستطيع أن يكفر في ظل دولة قوية، فاضطر أن ينافق ليحفظ ماله ودمه؛ لأنه لو جهر بالكفر إما أن يقتل وإما أن تضرب عليه الجزية، لو كان من أهل الكتابين وظل على كفره تضرب عليه الجزية والصغار والذلة، فظهر المنافقون في المدينة لما صار للمسلمين دولة، بخلاف مكة لم يكن إلا الكفر المحض في مقابل الإسلام الضعيف.
وأنت إذا اعتبرت هذه القاعدة -وهي ثابتة في كل الأزمان- حتى تصل بتصفحك إلى زماننا ترى أن الكفر هو الغالب؛ لضعف المسلمين وهوانهم على غيرهم، وما هانوا على غيرهم إلا بعد أن هانوا على أنفسهم، نبينا صلى الله عليه وسلم يشتم مرتين علناً، وليس له في الأرض نصيب، ليست هناك دولة في الأرض تتبنى هذا الرسول، كتاب: آيات شيطانية، ما تحرك إلا الخميني الرافضي، ومعروف ماذا فعلت بريطانيا، سحبت السفير، وقطعت العلاقات بمجرد التهديد بقتل مواطن، يزعمون أنه مواطن، والدولة يجب أن تدافع عن مواطنيها، مع أننا نعلم أنه منذ قامت هذه الثورة في إيران، وقد قتلوا من الإنجليز وفجروا في داخل بريطانيا كثيراً، ومات أناس كثيرون وما فكروا في قطع العلاقات، كأن الذين ماتوا في الانفجارات ليسوا مواطنين.
ما صار سلمان رشدي مواطناً إلا بعد أن سب نبي الإسلام! ومنذ شهرين في جريدة العربي في لندن أيضاً يخرج رجل يصف النبي صلى الله عليه وسلم -قطع الله لسانه، وشلت يده- بأنه سيد الحمقى، وأجرى هذا الحكم على بعض أصحابه كـ أبي ذر، وعلى سبطه الحسين، يوصف رسولنا عليه الصلاة والسلام بهذا وليست هناك دولة تقطع العلاقات الدبلوماسية ذراً للرماد في العيون وانتصاراً لهذا النبي، كأنه ليس هناك أحد على دينه في الأرض! ومما يدل على ضعف هوان المسلمين أن الكاتب يكتب اسمه بمنتهى الصراحة؛ لأنه يعلم أنه لن يعاقب.
قديماً كان الذي يريد أن يشتم حاكماً أو يشتم طريقةً، أو يسب مذهباً كان يكتب اسماً مستعاراً، كما تعلمون في بعض الكتب كغاية الأماني في الرد على النبهاني للشيخ محمود شكري الألوسي -وهو من أنفع الكتب- كتب اسمه على الكتاب أول مرة باسم مستعار؛ لأن السلطان عبد الحميد آنذاك كان يقرب الصوفية، ومنهم النبهاني المغضوب عليه، فلو أنه كتب اسمه لقتل، ولو أن المطبعة التي طبعت الكتاب كتبت اسمها لأغلقت، فاضطر أن يكتب على لوحة الكتاب اسماً مستعاراً حتى لا يقع تحت طائلة العقاب، لكن هذا يكتب اسمه صريحاً، والجريدة معروفة، ومقر الجريدة معروف، وعنوانها.
ثم يكتب هذه المقالة التي هي عظيمة ولا يتحرك المسلمون! ولا تكتب الجرائد الرسمية استنكاراً بالعناوين الكبيرة! هوان وضعف! يجعل الحر ذليلاً يتجرع الذل، أمرّ شيء على نفس الحر هو أن يظلم ولا يستطيع أن ينتصر، كما أنه أمر شيء أن يظلم رجل وهو بريء، ولا يستطيع أن يثبت أنه بريء، ومن كان بريئاً فظلم؛ سلوه عن المرارة التي يجدها في حلقه.
ولكن لا عليكم {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة:40] نزلت هذه الآية بعد ثمان سنوات من الهجرة، لما ظهرت بوادر من بعض المسلمين بالتخاذل عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، فبكتهم الله تبارك وتعالى، قال: إن لم تنصروه في هذا الموضع {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة:40] ما نحتاج إليكم، ولم يكن واحد منكم موجوداً آنذاك وانتصر وهو ثاني اثنين، هذا إن لم تنصروه، فنحن نعلم أن ضعف المسلمين بسبب الكفر الذي مد عنقه ويده، وهو مطمئن أنه لن يقطع له عنق، ولن تبتر له يد.
هذا على المستوى العام الدولي، أما على مستوى المسلمين في خاصة أنفسهم فيوجد كُتَّاب الفتنة، ودعاة الضلال، الذين يوهنون عرى هذه الأمة، وكثير منهم لا أقول: منفسخ، لكن صلته بدينه ضعيفة، أي شبهة تنقله عن الحق الذي كان يعتقده؟! وصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ قال في وصيته النافعة لـ كميل بن زياد: (ورجل تابع لأهل الحق ليس له بصيرة في إحيائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض) .
هناك من الناس من يمشي مع كتيبة أهل الحق، لكن لا يعلمون هذا الحق علم اليقين، ولم تتذوقه قلوبهم، فإذا قابلت الواحد منهم أية شبهة ترك كتيبة أهل الحق وزاغ، لذلك كان واجب العلماء الربانيين أن يذودوا عن حمى الإسلام لأجل هؤلاء العوام، وأن يحوطوهم ويدفعوا شبه أهل الضلال والزيغ؛ حفظاً للذين يمشون مع أهل الحق لكن لا بصيرة لهم بهذا الحق، فيزيغ عن طريق الحق لأية شبهة مهما كانت سقيمة.