تعريف القران الكريم ومايتضمنه
ذهبوا في معنى القرآن إلى جملة أقوال ذكرها السيوطي في كتابه الاتقان والمختار منها ما نص عليه إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى وهو: ان لفظ القرآن المعرف بأل ليس مهموزا ولا مشتقا بل وضع علما على الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم واما القرآن فقد قال اهل السنة القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ واليه يعود وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالالسنة مسموع بالآذان والاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات سواء كان بتلاوته أو بتدبر فيه - قال الله تعالى - إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله انه غفور شكور - وقال - كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب - وقال - الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم وتلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد
ولبعضهم: وإذا أردت من العلوم أجلها * فعليك بالقرآن والاعراب هذا لدينك ان أردت ديانة * وهدى وذاك لمنطق وخطاب ولبعضهم ايضا: نعم السمير كتاب الله ان له * حلاوة هي أحلى من جنى الضرب به فنون المعاني قد جمعن فما * تفتر من عجب الا إلى عجب أمر ونهى وأمثال وموعظة * وحكمة أو دعت في أفصح الكتب لطائف يجتليها كل ذى بصر * وروضة يجتنيها كل ذى أدب فالقرآن يتضمن الاحكام، والشرائع، والامثال، والحكم، والمواعظ والتاريخ، ونظام الكون، وغير ذلك.
قال بعضهم: ألا انما القرآن تسعة أحرف * سأنبيكها في بيت شعر بلا خلل حلال حرام محكم متشابه * بشير نذير قصة عظة مثل فالقران ما ترك شيئا من أمور الدين الا وبينه، ولا من نظام الكون الا واوضحه، وفيه يقول الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " ويقول " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون "
وقال عليه الصلاة والسلام " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله تعالى ومن ابتغى الهدى في غيره اضله الله تعالى وهو حبل الله المتين
وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذى لا تزيع به الاهواء ولا تلتبس به الالسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه " أخرجه الترمذي.
ومعنى لا يخلق لا يبلى (وقال ايضا) " أعربو القرآن والتمسوا غرائبه " رواه البيهقى والحاكم عن ابى هريرة والمراد باعرابه معرفة معاني ألفاظه وما أحسن ما رواه الامام السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه الاتقان عن بعضهم حيث يقول: اعتنى قوم بضبط لغات القرآن وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها، وعدد كلماته وآياته وسوره واحزابه وأنصافه وأرباعه، وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما اودع فيه فسمو القراء - واعتني النحاة بالمعرب منه والمبنى من الاسماء والافعال والحروف العاملة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الاسماء وتوابعها وضروب الافعال واللازم والمعتدى ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به حتى ان بعضهم اعرب مشكله وبعضهم اعربه كلمة كلمة - واعتني المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد ولفظا يدل على معنيين ولفظا يدل على اكثر فأجروا الاول على حكمه وأوضحوا معنى الخفى منه وخاضوا في ترجيح احد المحتملات ذى المعنيين أو المعاني وأعمل كل منهم فكره وقال بما اقتضاه نظره - واعتني الاصوليون بما فيه من الادلة العقلية والشواهد الاصلية والنظرية فاستنبطوا منه وسموا هذا العلم بأصول الدين - وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما
يقتضى العموم ومنها ما يقتضى الخصوص إلى غير ذلك فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز - وتكلموا في التخصيص والاخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والامر والنهى والنسخ، إلى غير ذلك من الاقيسة واستصحاب الحال والاستقراء وسموا هذا الفن أصول الفقه - وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الاحكام فأسسوا أصوله وفرعوا فروعه وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا وسموه بعلم الفروع وبالفقه ايضا - وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة والامم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الاشياء وسموا ذلك بالتاريخ والقصص -
وتنبه آخرون بما فيه من الحكم والامثال والمواعظ التى تقلقل قلوب الرجال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكر الموت والميعاد، والحشر والحساب، والعقاب والثواب، والجنة والنار فصولا من المواعظ واصولا من الزواجر فسموا بذلك الخطباء والوعاظ - وأخذ قوم بما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك من علم الفرائض واستنبطوا منها من ذكر النصف والربع والسدس والثمن حساب الفرائض - ونظر قوم الي ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت - ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق والمبادئ والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والاطناب والايجاز وغير ذلك
فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع - انتهى جميع العلم في القرآن لكن * تقاصر عنه أفهام الرجال ويعجبنا وصف الاستاذ مصطفى صادق الرافعى رحمه الله تعالى للقران الكريم حيث يقول في كتابه اعجاز القران ما نصه: القرآن الفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها، وتصف الآخرة فمنها جنها وضرامها، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب، وان أوعدت جعلت الالسنة ترعد من حمى القلوب، ومعان بينا هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الايمان وجه الامان، وبينا هي ترف بندى الحياة على زهرة الضمير، وتخلق في اوراقها من معاني العبرة معنى العبير، وتهب عليها بأنفاس الرحمة فتنم بسر هذا العالم الصغير، ثم بيناهى تتساقط من الافواه تسافط الدموع من الاجفان، وتدع القلب من الخشوع كأنه جنازة ينوح عليها اللسان، وتمثل للمذنب حقيقة الانسانية حتى يظن انه صنف آخر من الانسان، إذا هي بعد ذلك اطباق السحاب وقد انهارت قواعده، والتمعت ناره وقصفت في الجو رواعده، وإذا هي السماء وقد اخذت على الارض ذنبها واستأذنت في صدمة الفزع ربها، فكادت ترجف الراجفة تتبعها الرادفة، وانما هي عند ذلك زجرة واحدة، فإذا الخلق طعام الفناء وإذا الارض مائدة.
انتهى كلام الرافعى رحمه الله تعالى
هذا وان ومن عظمة القرآن في ذاته اقرار علماء الافرنج بسمو مكانته واعترافهم برفيع منزلته، وخشوعهم لدي سماع ترتيل آياته، واعجابهم بما حواه من نظام الكون ودستور المدنية والعمران.
وهناك بعض من نوابغ مستشرقي الافرنج من يتخصص لحفظ القرآن وفهم تفاسيره، ومن يعتنى بعلم القراءات وفن التجويد، ومن ينقطع إلى دراسته وبيان مزايا دين الاسلام ولهم في ذلك مؤلفات.
وان بقوا على ديانتهم.
وان أول طبع للمصحف بالخط العربي كان في مدينة همبرج بألمانيا وذلك في سنة 1113 هجرية (1) ويوجد من هذه الطبعة مصحف بدار الكتب العربية المصرية بالقاهرة قال المستشرق الالماني الدكتور شومبس في القرآن الكريم في احدى الجمعيات " يقول بعض الناس ان القرآن كلام محمد - وهو خطأ محض - فالقرآن كلام الله تعالى الموحى على لسان رسوله محمد، فليس في استطاعة محمد ذلك الرجل الامي في تلك العصور الغابرة أن يأتينا بكلام تحار فيه عقول الحكماء ويهدى الناس من الظلمات إلى النور، وربما تعجبون من اعتراف رجل أو ربى بهذه الحقيقة، انى درست القرآن فوجدت فيه تلك المعاني العالية والنظامات المحكمة وتلك البلاغة التى لم اجد مثلها قط في حياتي، جملة واحدة منه تغنى عن مؤلفات هذا ولا شك اكبر معجزة اتى بها محمد عن ربه " اه كلامه وقال المستشرق ما كس مننى: ان مرشد المسلمين هو القرآن وحده، والقرآن ليس بكتاب دينى فقط بل هو ايضا كتاب الآداب وتجد به الحياة السياسية والاجتماعية، بل هو يرشد الانسان إلى وظائفه اليومية، والاحكام الاسلامية التى لا توجد بالقرآن توجد في السنة والتى لا تكون واضحة لا في القرآن ولا في السنة توجد في الفقه الواسع الذى هو علم الحقوق الاسلامي اه كلامه وما قيمة ما يقوله الانسان في القرآن الكريم بعد قوله تعالى فيه " كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " وقوله " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وقوله " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " وقوله " قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون يمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (قال المقرى في اضاءة الدجنة) وأخبر الله بعجز الانس * والجن عن إتيانهم بالجنس من مثله وطولبوا بسوره * فما استطاعوا مثلها ضروره ومن لجلباب الحيا أزاحا * معارضا له حوى افتضاحا كمثل ما جاء به مسيلمه * من ترهات باختلال معلمه ركيكة في لفظها والمعنى * كقوله والطاحنات طحنا..الخ
لكتاب: تاريخ القرآن الكريم
المؤلف: محمد طاهر بن عبد القادر الكردي المكي الشافعي الخطاط (المتوفى: 1400هـ)
ملتزم طبعه ونشره: مصطفى محمد يغمور بمكة